فن تعامل الرسول مع الناس
اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يختلف عليها اثنان سواء مسلم أو كافر، فقد وصفه الله -سبحانه وتعالى- : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وما وصفه الله عز وجل بذلك إلا لعظيم شأن مكارم أخلاقه وعلوّ منزلتها، فالرسول الذي لقبه مشركو قريش بالصادق الأمين لما لمسوه وعاصروه معه من الصدق والأمانة.
هو نفسه الرسول الذي جاءهم بالهدى ليخرجهم من الظلمات إلى النور وكذبه المشركون لمجرد أن كبر العظمة قد أخذهم، ورفضوا تصديقه لأول مرة في حياته، ومع ذلك فقد برزت مكارم أخلاقه معهم عند فتح مكة حين قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فن تعامل الرسول مع الناس : اخلاق الرسول
القدوة الحسنة دائمًا ما نقتدي بها ليس من خلال نصائحها المباشرة، بل من خلال المواقف والتعاملات الحياتية اليومية، ورسولنا الكريم في مسيرته وقبل أن يرسله الله بالهداية إلى البشرية جمعاء، وهو يرسي في البشرية دعائم حسن التعامل مع الآخرين. إنه محمد الذي ولد يتيمًا وتربى بين بيت حليمة السعدية، وبين بيت جده وأعمامه، وقد أحبه جميع من رأوه وعاشروه منذ أن كان طفلًا.
وحين صار شابًا يافعًا وظهرت محاسن أخلاقه والتي برزت من خلال تعاملاته مع الكبير والصغير، العبد والسيد، الغني والفقير، مما جذب إليه زوجه أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، والتي استعانت به في إدارة تجارتها إلى الشام لما سمعته عن صدقه وأمانته، ثم ما لبست أن لمست فيه من الصفات والمكارم مالا يمكن أن تجده في إنسان آخر، مما دفعها لإعلان رغبتها في الزواج منه.
وكان يتعامل الرسول قبل زواجه من خديجة مع ميسرة مولى خديجة بكل لين ورفق بدون تعالٍ أو تكبر، حتى أن ميسرة كان يتابعه في جميع تصرفاته أثناء رحلة الشام والتي عاد منها مبهورًا بكل ما رأى من شأن محمد، وأخذ يحكي ما كان للسيدة خديجة، التي أيقنت بدورها هذا الشأن العظيم الذي ينتظره صلى الله عليه وسلم.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع المخطئين من خلال سيره الكريمة، كان يتعامل مع المخطئين والمسيئين بكل أخلاق ورقي، فيجب أن نقتفي أثره، ونهتدي بهديه، فهو القدوة الحسنة الذي أرسله الله رحمة لنا ونور لطريقنا، مصداقا لقول الله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.
اخلاق الرسول وتعامله مع أهل بيته
كان للرسول صلى الله عليه وسلم شأن عظيم في تعاملاته مع زوجاته، فقد كان له من المواقف التي تبرز رقي أخلاقه في التعامل مع زوجاته الكثير، ومن هذه المواقف:
- ملاطفة أزواجه وممازحتهم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم أنشغاله في الدعوة والحروب واشغاله التي لا تنتهي إلا أنه لا يفرط في حقوق زوجاته عليه، وكان من ضمن حقوقهن اللعب والمزاح معهن، فنجد السيدة عائشة وهي تسابق الرسول ويسابقها بل ويتنافس معها أيهما أسرع، وكان يجلس بين أزواجه ليرسم الابتسامة على وجوههن برغم جميع متاعبه وما يلاقيه المسلمون من عداوة وحروب خارجية وداخلية.
- حين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المشورة التي أسدتها له زوجته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، بعد صلح الحديبية، وقد جاء المسلمون من المدينة إلى مكة محرمين كيف يحجوا إلى البيت الحرام، وقد حدث أن تم عقد الصلح الذي اشترط فيه الكفار على المسلمين أن يعودوا من حيث أتوا دون حج هذا العام.
وكان هذا سببًا في حزن المسلمين الوافدين مع رسول الله ورفضهم رفضًا باتًا أن يتحللوا من إحرامهم رفضً لهذا الشرط، إلا أن حكمة أم سلمة وفطنتها وحسن تدبيرها جعلها تشير على زوجها ورسولنا الكريم، أن يتحلل هو أولًا ويحلق رأسه حتى يقتاد به المسلمون وهذا ما حدث بالفعل، فقد استمع صلى الله عليه وسلم إلى مشورة زوجته الرشيدة، مما أدى إلى اقتداء باقي المسلمين به دون نقاش كما تعودوا دائمًا.
- كان الرسول صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على نظافته وأناقته: كان النبي جميلاً في سائر معاملته مع زوجاته، كما كان يمزح ويبتسم ويضحك مع نسائه، وكان يخدم نفسه في بيته، ويقوم بحاجته، ويخصف نعله، ويرقّع ثوبه، ويخدم أهله، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي).
- كان عطوفًا يلتمس العذر لأزواجه: يظهر هذا جليًا في موقفه من عائشة رضي الله عنها حين غارت من السيدة زينب بنت جحش حين أهدت النبي طبقًا به طعام، حتى أن عائشة قد أطاحت بالطبق بقوة فانكسر الطبق وتطاير الطعام في أرجاء الغرفة، فلم ينفعل الرسول أو يظهر عصبية أو ينفعل عليها بأي شكل من الاشكال كما يفعل بعض الرجال في ذلك الوقت، بل اكتفى بابتسامة قائلًا «غارت أمكم» رواه البخاري، وأمرها بإصلاح ما أفسدته.
- رحمته بحفيديه الحسن والحسين: كان الرسول يتعامل مع أحفاده بمنتهى الرفق واللين وكان يحملهم على ظهره الشريف، ويجعلهم يلعبون عليه حتى ولو كان ساجدًا، حيث يظل ساجد هكذا حتى ينزلوا عن ظهره. وقد حدث وقبل الحسن أمام بعض أصحابه، فتعجب الأقرع بن حابس قائلًا فيما معنى الحديث أن له من الأبناء عشرة ولم يقبل أحد منهم من قبل، رد عليه سيد الخلق ومتمم الأخلاق الكريمة قائلًا، من لا يرحم لا يُرحم.
- إنه فن التعامل يا سادة الذي أجاده الرسول الكريم، وحاول أن يعلمنا إياه من خلال سنته
فن تعامل الرسول مع الناس : اخلاق الرسول وتعامله مع أصحابه
رسولنا الكريم غير كافة البشر، فهو ذو القلب الذي نزعت منه النقطة السوداء منذ كان طفلًا، هو النبي الكريم الذي علمنا التواضع في كل أموره، والرحمة والإحسان إلى الغير، كل تلك الصفات وأكثر من اخلاق الرسول التي تحلى بها مع جميع الخلق ومنهم أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فقد كانت محبّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عظيمة، فكان يتعامل معنم بلطف وبشاشة كانت تملأ وجهه نوراً وسروراً وهو يسأل عن حالهم ويُطيّب خاطرهم؛ وفيما يأتي ذكرن لبعض المواقف التي تصور عظم أخلاق النبي -عليه الصلاة والسلام- في تعامله مع من حوله من الصحابة:
- التواضع: صفة التواضع هي من صفات العظماء، ومن أجدر بتلك الصفة من محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قام بوصفه أحد المستشرقين من الغرب بأنه أعظم إنسان على وجه الأرض، فالتواضع ظهر جليًا في الكثير من المواقف، بل كانت هي طبيعته بين أصحابه،
حيث كان يجلس بين أصحابه دون كبر أو غرور، وكان يستمع إليهم بإنصات حتى إذا فرغوا من حديثهم بدأ في الحديث، فقد حدث وقدم أحد الأعراب يسأل عن الرسول في مجلسه، ولم يعرفه وهو وسط أصحابه، فقد حسب أن يأتي ليرى أحد الملوك جالسًا على العرش ليس هكذا بين أصحابه حيث لا تمييز بينهم وبينه.
حيث روى أبو داوود عن أبي هريرة وأبي ذر- رضي الله عنهما- قالا:(كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَجْلِسُ بينَ ظهرَيْ أصحابِه، فيجيءُ الغريبُ، فلا يدري أيُّهم هو، حتى يسألَ، فطلَبْنا إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: أن نَجْعَلَ له مجلساً يَعْرِفُه الغريبُ إذا أتاه)
- تعامل النبي مع المخطئين من الصحابة: برغم كون الرسول صلى الله عليه وسلم قائدًا عظيمًا ومربيًا بارعًا إلا أنه كان رفيقً أشد الرفق بأصحابه، ومهما كان الأمر صعب كان يتعامل معه النبي بالحلم والهدوء والرفق.
ولنا في هذا المثال آية. حين جاء أحد الشباب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كي يصرح له الزنا، وبرغم فظاعة هذا الأمر والذي شعرنا به الآن بمجرد قراءة تلك الكلمة البشعة، إلا أن النبي لم يعنف الشاب أو يوبخه أو يهينه بأي حال من الأحوال، وآثر الرسول أن يستخدم مع الشاب أسلوبًا آخر غير لترهيب والتعنيف، إنه أسلوب إستثارة حميته وغيرته حين سأله صلى الله عليه وسلم هل ترضاه لأمك مما أثار حفيظة الشاب قائلًا بغضب لا، فقال له الرسول الكريم ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.
ولم يتوقف عند هذا الحد فقد استمر الرسول صلى الله عليه وسلم في مداعبة هذا الوتر من الغيرة التي ظهر على الشاب، حين سأله النبي هل ترضاه لأختك، وظل النبي يقبح الزنا إلى الشاب حتى استشاط الشاب حنقًا على مجرد التفكير في هذا الأمر، واستطاع أن يدرك مدى بشاعة الطلب. فدعل له الرسول « اللَّهمَّ اغفِرْ ذنبَهُ وطَهِّر قلبَهُ، وحصِّن فَرجَهُ»
فن تعامل الرسول مع الناس : تعامل الرسول وأخلاقه مع جيرانه
حين تريد أن تتعلم فن التعامل مع الجيران، فعليك بسنة نبيك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد رفع شأن الجار وحثّ على صون حقوقه ورعايتها، فلن تجد أفضل مما كان يفعل مع جيرانه، ويكفي أن جعل الرسول أن أحد شروط دخول الجنة هو حسن التعامل مع الجار، حيث قال الرسول الكرسم « لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه» بوائقه هنا بمعنى شروره، وقد إشارة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى كثرة توصيته وأمره بالإحسان إلى الجار وحفظ حقوقه والاهتمام به حتى حَسِبَ أنّ الله -تعالى- سيقضي بتوريثه؛ أي يكون له الحقّ في الميراث، وذلك بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ).
فن تعامل الرسول مع الناس : تعامل الرسول مع اليهود والنصارى
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتوانى عن أي فرصة يدعو فيها اليهود والنصارى إلى الإسلام، وكان لطيفاً، رحيماً أثناء دعوتهم إلى الاسلام، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين في داخل المدينة، وأعطى لهم حقوقاً تحميهم، وتكفل بتطبيقها، فلم يقتل يهودياً أو نصرانياً بسبب ديانته، وعدل ورفع الظلم عن اليهود، و كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع الديّة لهم، ولو كان على حساب المسلمين، فقد كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يعاملهم بالخلق الحُسنى، والأمانة، والبر، والعدل، والتقوى، وحسن الخلق، حفظ الأمانة.
وكانت تلك بعض صور قليلة من اخلاق الرسول وتعاملاته مع الآخرين، والتي لابد لنا أن نتخذه قدوة في جميع شئون حياتنا، حتى يطيب لنا عيش الدنيا والآخرة.
إقرأ أيضاً : صلاة الخسوف صفتها وأحكامها وفضلها
وأخيراً، شكرا لكم لقراءة المقال حتى النهاية، يمكنك قراءة المزيد من المقالات من المقالات الدينية من هنا.. مقدمة لكم من أكاديمية مجتهد.